تقرير حديث لجامعة بريطانية حول “انفجار مرفأ بيروت”.. ماذا في التفاصيل؟
انفجار المرفأ يُعدّ أحد أكبر الإنفجارات "غير النووية" في التاريخ.. والدراسات اللبنانية تُصدر نتائجها قريبًا
منذ بنائه وتدشينه رسميًا في العام 1896، أصبح مرفأ بيروت الميناء الأساسي والأول في لبنان، وواحدًا من أهم 10 موانئ على ساحل المتوسط، ورافدًا أساسيًا للاقتصاد اللبناني، نظرًا لدوره الحيوي في الاستيراد والتصدير، خصوصًا وأنه كان يتعامل مع حوالي 300 مرفأ حول العالم حتى لحظة الإنفجار الكارثي في الرابع من آب الماضي، والذي لا تزال أسبابه وأبعاده غامضة، ونتائجه وتبعاته غير معروفة تمامًا، وعلى كافة المستويات.
إلا أن تقريراً أولياً صدر مؤخرًا، أعدّه باحثون في “قسم هندسة الانفجارات والصدمات” من “جامعة شيفيلد” University of Sheffield في بريطانيا، أوضح أن “هذا الإنفجار كان أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ”.
الباحثون قدّروا حجم الإنفجار بأنّه يعادل حوالي واحد على عشرين من حجم القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية، للمرة الأولى في التاريخ، على مدينة هيروشيما في اليابان يوم 6 آب عام 1945، والتي تسبّبت، مع القنبلة التي أُلقيت على مدينة ناغازاكي في التاسع من الشهر نفسه، بانسحاب اليابان وخسارتها الحرب.
دراسة معمّقة
قُدِّرت خسائر انفجار مرفأ بيروت، وفق مصادر أولية، بنحو 15 مليار دولار، وتبيّن أنهما انفجاران بفارق 33 ثانية بينهما، وقع أولهما الساعة السادسة وثماني دقائق، ليتبعه الثاني، في العنبر 12، والذي أتى على محتويات المخزن.
وفي هذا السياق، أشارت السلطات اللبنانية إلى أن “العنبر 12” كان يحوي نحو 2750 طن من مادة “نترات الأمونيوم”، (تركيبتها الكيميائية NH4NO3)، وهي مادة شديدة الانفجار في ظروف معيّنة، كانت مُصادَرة ومُخزّنة منذ عام 2014، وهو ما يُخضِع جميع المسؤولين، منذ ذلك العام، للمساءلة.
واعتمد الباحثون في تقريرهم، الذي نُشر في مجلة Shock Waves العلمية في 22 أيلول الماضي، على 16 مقطعًا من الفيديو من 38 نقطة ومن أماكن متعددة من العاصمة بيروت، تمكّنوا على إثرها من تحديد كيفية وشدّة انتشار الموجة الصادمة الناتجة عن الإنفجار عبر المدينة. هذا واستند الباحثون إلى البيانات عبر خارطة علمية، فضلًا عن دراسة معمّقة شملت تحليل الصوت والصورة في هذه المقاطع إطارًا بإطار، وحجم “كرة النار” Fireball الناتجة، بالإضافة إلى تقييم آثار هذا الإنفجار على المباني في جوار المرفأ وعلى مسافات مختلفة، وذلك للمساعدة في التنبؤ بالإصابات المحتملة والأضرار الهيكلية الناتجة في حالات الطوارئ المستقبلية، والاستعداد للكوارث المستقبلية بهدف إنقاذ الأرواح، فضلًا عن تزويد صانعي السياسات والجمهور بمعلومات أكثر دقّة حول هذا الانفجار.
ريغبي: كارثة مدمّرة
وجدت الدراسة أن انفجار مرفأ بيروت يعادل انفجار حوالي 500 إلى 1100 طن من مادة TNT الكيميائية الشديدة الانفجار، وقد تسبّب بوفاة أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 5000، وتدمير أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية، قُدرت بحوالي 40 بالمئة منها و80 بالمئة من المرفأ، وأن الإنفجار أُطلق في غضون أجزاء من الثانية، أي ما يعادل حوالي 1 جيغاواط/ساعة من الطاقة، وهي طاقة كافية لتزويد أكثر من 100 منزل لمدة عام، وتساوي الطاقة المتولدة في الساعة من ثلاثة ملايين لوحة شمسية أو 400 توربينة رياح، أو 110 مليون مصباح LED.
المحاضر في هندسة الإنفجار والصدمات في جامعة شيفيلد، وأحد أعضاء الفريق العلمي المشارك في إعداد التقرير، الدكتور سام ريغبي، قال في هذا الخصوص: “كانت الكارثة التي ضربت بيروت هذا الصيف مدمّرة، ونأمل ألا يحدث شيئًا مثل هذا مرّة أخرى. هو حادث غير مسبوق لأنّه لم يتم توثيق مثل هذا الانفجار الضخم بهذا الشكل من قبل”.
وأشار ريغبي إلى أنه “من خلال فهم المزيد عن قوة الانفجارات العرضية واسعة النطاق، مثل تلك التي حدثت في بيروت، يمكننا تطوير تنبؤات أكثر دقة حول كيفية تأثّر المباني المختلفة، وأنواع الإصابات التي من المحتمل أن تكون على مسافات مختلفة من الانفجار، والمساعدة في فهم ما حدث في بيروت وتقديم البيانات”، مضيفًا: “أما السبب في أننا قررنا تحليل الإنفجار، فهو أن وظائفنا كمهندسين استخدام المهارات والموارد التي نمتلكها لحل المشكلات، وفي النهاية مساعدة الناس لجهة الإستعداد لمثل هذه الأحداث، وإنقاذ الأرواح في حالة تكرارها”.
لبنان
محليًا، تابع باحثون من جامعات لبنانية مختلفة، منها الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة البلمند في الشمال، تأثير الإنفجار بالتحليل الكيميائي للمواد، عبر جمع عيّنات منها عقب الإنفجار مباشرة من الغبار والهواء، فيما تولّى البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، تقييمًا سريعًا للأضرار والاحتياجات Rapid Damage and Needs Assessment RDNA، في شراكة وثيقة مع الوزارات اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين.
الجامعة الأميركية في بيروت
في هذا السياق، قالت أستاذة الكيمياء التحليلية ومديرة مركز حماية الطبيعة في الجامعة الأميركية في بيروت، د. نجاة عون صليبا، في حديث لموقع “أحوال”: “إثر الإنفجار، بدأ العمل بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والمجلس الوطني للبحوث العلمية، على دراسة تلوّث الهواء الناجم عن الانفجار، والمواد الضارّة المسجّلة وغيرها من المعايير البيئية والصحيّة، حيث أظهرت نتائج الفحوصات الأوليّة في اليوم التالي للإنفجار، والتي أجريناها في مختبر الجامعة الأميركية، ألّا آثار خطيرة لانبعاثات الانفجار”.
د. صليبا لفتت إلى أن حركة الرياح ساهمت بانتقال المواد، عبر السحابة وعمود الرياح الناتج عن الانفجار، إلى مناطق ودول مجاورة، إلا أن بعض جزيئات الغبار الكبيرة استقرّت على الأرض في المناطق المواجهة للمرفأ، وقد تطايرت وانتشرت خلال عمليات إزالة الردم ومرور المركبات”، خاتمة بالإشارة إلى أن الدراسة الشاملة تحتاج لوقت وروتين وتراتبية بين المعنيين من جهات مختلفة، والنتائج العلمية ونشرها سيأتي بعد استكمال كافة البيانات.
جامعة البلمند
توازيًا، قالت الباحثة في مجال الكيمياء التحليلية Analytical Chemistry من كلية الهندسة المدنية والبيئية في جامعة البلمند، الدكتورة ياسمين جبلي، لـ”أحوال”: “إثر الإنفجار، بدأنا مبادرة بمشاركة الباحث في مجال التلوث الجوي في كلية العلوم والفنون، قسم العلوم البيئية من جامعة البلمند، الدكتور أديب كفوري، لدراسة المواد الناتجة عن هذا الإنفجار، بالتعاون المباشر مع المواطنين عبر مناشدتنا لهم عبر وسائل التواصل الإجتماعي بأخذ عيّنات من شرفات وداخل المنازل في محيط الإنفجار، وكان تجاوبهم مدهشًا، فتجمّعت لدينا كميات كبيرة من العيّنات، وهي تحتاج للمزيد من المعالجة ومن الوقت قبل إصدار وتقييم النتائج”.
من جهته، قال د. كفوري لموقعنا: “نحاول أن نقوم بكافة التحاليل محليًا أو “بلمنديًا” داخل الجامعة، وهذا يتطلّب المزيد من المعدّات والموارد. وتابع: “وإن اضطررنا، من الممكن أن نتّجه لإرسال بعض العينات إلى فرنسا، ولكن كما سبق وذكرت، فالهدف أن تكون الدراسة لبنانية”، لافتًا إلى ان الأهم من معرفة أسباب الإنفجار، هو التعرف على المواد الكيميائية الناتجة عنه، ومنها مادة “الإسبستوس”، وهي مادة خطرة مكوّنة من ألياف، وأُثبت علميًا تسبّبها بأمراض خطيرة ومنها سرطان الرئة، كما كانت تُستخدم في العزل والبناء، وتم إيقاف استيرادها وإنتاجها منذ زمن بعيد، لكن ربما قد تكون مُستخدَمة في سقوف العنابر (الهنغارات) القديمة الموجودة في المرفأ، وفي المنازل القديمة، حيث كانت تُستعمل أيضًا في أنابيب المياه القديمة، لذا فخطر الإنفجار هو في وجود هذه المواد الكيميائية وتأثيرها على صحة الإنسان”.
سوزان أبو سعيد ضو